عهد جديد لسوريا
حمادة فراعنة
وهكذا سجل يوم 8 كانون أول ديسمبر 2024 على أنه يوم مشهود، دخل التاريخ، بنهاية نظام حزب البعث العربي الاشتراكي، نهاية حقبة عائلة الأسد التي حكمت سوريا منفردة، منذ عام 1970، على اثرانقلاب الرئيس الراحل حافظ الأسد، ولم يتمكن خليفته بشار الأسد الحفاظ على بقاء النظام واستمراريته.
سقط النظام بسهولة غير متوقعة، و حتى المعارضة المسلحة، لم تتوقع أن تجد أمامها المواقع ميسرة لاجتياحها واستلامها وإنهاء سيطرة أدوات النظام السابق عليها سواء كانت عكسرية أو أمنية أو مدنية.
سقوط النظام، لم يكن ليتم بسبب قوة المعارضة وحسب، بل لأسباب عديدة، أهمها أن النظام لم يكن قريباً من نبضات شعبه، ولم يتمكن من كسب شرائح التعددية التي يتكون منها المجتمع السوري:
1 – الأكراد الذين لم يتمكنوا، وحرموا من نيل حقوقهم القومية في إطار المواطنة السورية، بدون الانشقاق عنها، أسوة بالتجربة العراقية- كردستان العراق، حيث نال الكرد حقوقهم القومية بالحكم الذاتي في إطار الدولة العراقية المشتركة، مع احترام قوميتهم ولغتهم بدون الاستقلال عن العراق.
2 – الدروز الذين لم يجدوا أنفسهم شركاء كما يستحقون.
3 – المسلمون السنة الذين واجهوا حالة من التمييز النسبي.
4 – قوى المعارضة السياسية التي فشل الأسد في كسبهم، ولم يستمع لنصائح الأصدقاء بضرورة توسيع القاعدة الاجتماعية للنظام، منذ الربيع أو الخريف العربي، وبقي الوضع السائد معلقاً، حتى كانت النتيجة الصدمة المفاجأة.
لهذا كله تحركت الجماهير الشعبية في استقبال قوى المعارضة المسلحة بالترحاب، في المدن الشمالية التي سقطت بسهولة: حلب وادلب وحماة وحمص، بل ان العاصمة دمشق التي أظهر وزير الدفاع أنها محمية بحائط صد عسكري، لن تستطيع المعارضة المسلحة اختراقه والوصول إلى دمشق، وتبين العكس من ذلك حيث دخل مقاتلو المعارضة بدون اشتباكات، بدون صدامات، وبسهولة غير متوقعة، و ترحيب جماهيري ملموس.
واضح ان الجيش السوري، انكافأ عن المواجهة، وأخلى مواقعه الدفاعية، ويبدو أن الاتصالات بين الجيلاني رئيس الحكومة والجولاني رئيس المعارضة أدى إلى هذه النتيجة السلمية الميسرة في التغيير، وإنهاء مظاهر النظام السابق لتكون المرحلة الانتقالية مفتوحة على كل الاحتمالات بعد اختفاء وهروب الرئيس بشار الأسد.
لقاء قائد المعارضة أحمد الشرع- الجولاني، مع محطة C.N.N كان موفقاً معتدلاً، أعطى الانطباع الإيجابي عنه، وإن كان ثمة سؤال جوهري لم يُقدم له، فهل تم ذلك باتفاق مسبق؟؟ أم أن سيدة المقابلة المذيعة أغفلته وهو:
ما هو موقف المعارضة نحو الجولان السوري المحتل، الذي سبق وأن اعترف به الرئيس الأميركي ترامب في ولايته السابقة، على أن الجولان جزء من خارطة المستعمرة، فهل ستوافق المعارضة التنازل عن الجولان مقابل التطبيع المجاني مع المستعمرة، خاصة أن الرئيس المقبل ترامب الذي قبل وأعلن اعترافه بقرار الضم الإسرائيلي، أم أنه سيحافظ على الموقف التقليدي للنظام الأسدي في العهدين حافظ وبشار، في التمسك بالجولان كأرض سورية محتلة.
الحلقة الثانية
لم يتعلم الرئيس بشار الأسد من خلاصات تجارب العراق ومصر وليبيا واليمن وتونس وحتى من الصومال، وأن بقاء الرئيس الزعيم إلى الأبد، والحزب القائد إلى الأبد لم يعد لها سوق سياسي منذ هزيمة الشيوعية والاشتراكية والاتحاد السوفيتي عام 1990 مع نهاية الحرب الباردة، فالعصر عصر التعددية والديمقراطية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع لانتخابات الرئيس ومجلس النواب: 1- لدى البلدان ذات النظام الجمهوري، و2- حكومات برلمانية حزبية لدى الأنظمة الملكية كما في المغرب، والأردن وضع المقدمات نحو هذا التوجه عبر انتخابات مجلس النواب في دورته العشرين الأخيرة 10/9/2024، كدورة أولى سيتلوها دورات تراكمية متعاقبة نحو هذا الخيار السياسي الأمني نحو التعددية نتيجة إفرازات صناديق الاقتراع.
لقد اعتمد الرئيس بشار الأسد وراهن على: 1- حلفائه الروس وإيران وحزب الله، 2- كما اعتمد على الجيش والأجهزة الأمنية، ولكنه لم يوفق ولم يبذل جهوداً عملية باتجاه الاعتماد على العنصر الثالث الأهم وهو 3- الشعب السوري عبر توسيع القاعدة الاجتماعية للدولة والنظام، ولهذا دفع الثمن، حينما لم يتدخل حلفاؤه مباشرة كما سبق وحصل بعد عام 2011، ذلك لأن هذه الأطراف الحليفة كل وله مشاكله ومتاعبه.
تحرك قوى المعارضة المسلحة منذ 27 تشرين ثاني نوفمبر، كانت نتنيجتها هذه السرعة والسهولة يوم 8 كانون أول ديسمبر 2024، بسقوط النظام وهروب الرئيس من موقعه وقصره وترك سلطته إلى رئيس الحكومة الذي تصرف بحكمة وشجاعة، وتفاهم مع المعارضة ليقول كلمته الحكيمة وهي: أنه سيسلم السلطة لمن يتم إختياره من قبل الشعب السوري.
الوضع المقبل مفتوح على كل الاحتمالات:
1-التصادم مع الفوضى أو 2-التفاهم بين مختلف الأطراف الفاعلة المستجدة وصولاُ إلى 3-الأرتقاء نحو خيار: التعددية والديمقراطية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وتداول السلطة، بدون احتكار لرئيس أو لحزب دون الآخرين.
منذ يوم الأحد 8 كانون أول 2024، ستدخل سوريا مرحلة انتقالية، مهد لها التفاهم الإيجابي بين الرئيسين محمد الجلالي رئيس الحكومة، وبين رئيس المعارضة أحمد الشرع الجولاني، وهي مقدمات هامة وضرورية لوضع سوريا على سكة السلامة الأمنية، والانتقال من سلطة التمرد والثورة والمعارضات المسلحة إلى حقبة الاستقرار والتحول الديمقراطي عبر انتخابات الرئيس ومجلس الشعب البرلماني.
المستعمرة الإسرائيلية، تستغل الانكفاء السوري نحو قضاياه الداخلية، لتمارس القصف المنظم، والتدمير المنهجي لقدرات سوريا وأسلحتها المختلفة، وبلع المزيد من الأراضي السورية مع الجولان المحتل، فالخيارات لدى المستعمرة هي التوسع، ونحو العمل والتخطيط والتآمر باتجاه أن يكون الطرف العربي برمته ومكوناته وأنظمته هو الأضعف في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، وعودة الرئيس الأميركي ترامب سيقف وسيعمل على دعم خيارات المستعمرة نحو التوسع والاحتلال والهيمنة، وهو التحدي المفروض الذي سيواجه العرب كل العرب.
الحلقة الثالثة
لم يسقط نظام الأسد فقط بسبب أخطائه الداخلية وخطاياه، سواء في التعامل مع الأكراد أو مع المعارضة السياسية والعسكرية، أو بسبب حجم الاعتقالات التعسفية المشينة التي قارفتها الأجهزة المتسلطة على السوريين، وهي أسباب موجبة ودوافع قوية لتوسيع حجم المعارضة الشعبية والحزبية والقومية والدينية ضد نظامه.
ولكن السبب الجوهري الإضافي الآخر يكمن في العداء الإسرائيلي الأميركي للنظام، على خلفية مواقفه الحازمة ضد الاحتلال والهيمنة ورفض الرضوخ لمصالحهم ومخططاتهم، وتمسكه بضرورة تحرير الجولان من الاستعمار الإسرائيلي، ورفضه الانكفاء عن تحالفه مع روسيا وإيران، وعن دعمه للخيار الفلسطيني.
لقد سبق وتعرض نظام الاسد لضغوط وإغراءات، بهدف الانكفاء عن خياراته القومية والسياسية والامنية ولكنه تماسك وصمد ولم ينحنِ أمام الضغوط، ولم يتجاوب أمام الإغراءات، وهو مثل عبدالناصر وصدام حسين ومعمر القذافي وياسر عرفات، وكل الذين تمسكوا بكرامتهم الوطنية وقوميتهم العربية، وتحالفاتهم سابقاً مع السوفيت، ولاحقاً مع روسيا والصين وإيران.
الولايات المتحدة التي انتصرت في معارك وصدامات ووقائع الحرب الباردة في مواجهة المعسكر الاشتراكي، منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، حتى نهاية الحرب الباردة 1990، تعمل وتحرص على استمرار هيمنتها العسكرية والسياسية والأمنية والاقتصادية المنفردة على العالم والسياسة الدولية، إلا ما تقدمه هي للآخرين، وصراعها الآن مع الصين وروسيا وباقي الأطراف الأقل نفوذاً وقوة: إيران، جنوب إفريقيا، بعض بلدان أميركا اللاتينية، وغيرهم، حتى لا تلغي نتائج انتصارها في الحرب الباردة، ولهذا تعمل على دعم الأنظمة التي تسير في فلكها، وتعمل بالتنسيق معها، أو وفق المصالح المشتركة المتفق عليها، وهذا ما يُفسر حجم دعمها للمستعمرة الإسرائيلية لتبقى مهيمنة متسلطة تحتل أراضي ثلاثة بلدان عربية، وتفرض تطبيع علاقاتها مع العالم العربي وتكييفها لأن تكون أداة مقررة في العالم العربي، كما يقول نتنياهو : شرق أوسط جديد، بما يتعارض مع مصالح العرب القومية وتطلعاتهم نحو الكرامة والاستقرار، وباتجاه الاستقلال السياسي والاقتصادي.
بشار الأسد افتقد للأولويات واستمر في خياراته الضيقة معتمداً على روسيا وإيران وحزب الله، وهؤلاء الذين دعموه، لم يتمكنوا من مواصلة دعمهم له، ففقد الغطاء الدولي وضعف حزب الله على خلفية الضربات الموجعة من قبل المستعمرة، ولم يعتمد على شعبه، وتوسيع القاعدة الاجتماعية لنظامه، ولم تتمكن الأجهزة العسكرية والأمنية من حمايته، لأن أغلبية شعبه لم يكن معه، ولا يدين له بالولاء، فسقط النظام كما حصل مع العراق وتونس ومصر وليبيا واليمن.
النظام المقبل هل يتمسك بالجولان كأرض سورية محتلة؟؟ أم يتخلى عنها ولا يعطيها الأولوية ثمناً لقبوله من قبل الإسرائيليين والأميركيين، ورضاهم عنه.
الحلقة الرابعة
أصيبت قيادة المعارضة السورية المسلحة، بالعمى والطرش، واحتمال الذهول من سرعة ما فعلته قوات المستعمرة نحو: 1- تدمير قدرات سوريا العسكرية بالكامل من مطارات وطائرات وحظائرها والدفاع الجوي والأسطول البحري ومخازن الأسلحة والذخائر ومراكز الأبحاث، لتكون فاقدة القدرة على الوقوف على رجليها وعلى إمكانياتها الذاتية، وعلى عدم التصدي لأي هجوم أو استفزاز إسرائيلي، 2- احتلال المزيد من الأراضي السورية مع الجولان بالكامل.
أصيبت قيادات سوريا المستجدة، بالنسيان والجهل مما يجري عندهم في بلدهم، وكأن فلسطين ليست جزءاً من بلاد الشام، شعب شقيق تم احتلال وطنه بالكامل، كامل خارطة فلسطين، وشعبه يواجه ويعاني من كافة أصناف الاضطهاد والظلم والقمع والبطش والقتل، ويحتاج ولو معنوياً من قيادة جديدة، حققت نجاحاً في تغيير نظام بلدها، لعله يكون خيراً نحو الأفضل.
تنظيمات إسلامية سورية تقود المعارضة أو جزء كبير من هذه المعارضة، تتناسى وتتجاهل ما تفعله المستعمرة ومستوطنوها الأجانب المستعمرون بحق المقدسات الإسلامية والمسيحية، وكأن الأقصى ليس أولى القبلتين وثاني الحرمين وثالث المسجدين، خاصة وأن زعيم المعارضة أحمد الشرع أعلن الإنجاز والانتصار من قلب المسجد الأموي في دمشق، ولم يتطرق ولم يذكر المسجد الأقصى المحتل المعتدى عليه، واحتلال المستعمرة لجزء من بلاده.
تمكنت المستعمرة من تدمير قدرات حماس وحزب الله حلفاء إيران، وها هي تُدمر قدرات سوريا الحليف الثالث لإيران، ولكن من هو البديل لإيران؟؟.
البديل لإيران واضح أنها تركيا التي دعمت ورعت وسلحت المعارضة المسلحة، ومكنتها سياسياً ودولياً من تحقيق غرضها، والطرف الثاني البديل ستكون المستعمرة، الهيمنة لكليهما، يعني تخلص الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين من الدلف الإيراني ليقعوا تحت المزراب والهيمنة والتسلط التركي الإسرائيلي.
فلماذا يفرح شعب سوريا، مستعجلاً التخلص من حزب البعث ونظام الأسد الأحادي قبل أن يفهموا ويدركوا من هو البديل؟؟ مقدمات البديل قدمته المستعمرة بأفعالها العسكرية بالضم في الجولان، وتدمير كامل المطارات والمنشآت العسكرية، والدفاعات السورية.
ألم يسمع العرب، كل العرب، وخاصة أهل الشرق العربي برمته ما قاله نتنياهو “بالشرق الأوسط الجديد” وأن المستعمرة لها الثقل المركزي في المنطقة، فهي تحولت وباتت الطرف الأقوى بين أطماع المثلث: الإيراني، التركي، الإسرائيلي، وفي غياب برنامج عربي ومشروع عربي وتدمير تطلعات العرب نحو الحرية والاستقلال والتقدم والكرامة.
برامج العرب تم قتلها مع غياب وتغييب عبدالناصر وصدام حسين وقبلهم تراث الثورة العربية الكبرى، وتغييب حركة القوميين العرب، وحزب البعث العربي الاشتراكي، والشيوعيين، وكل من ينطق وينحاز لحرية العرب ووحدتهم.
ما رأي وموقف حركتي فتح وحماس، مما يجري، هل يمكن التخلص من حالتي الاستئثار التي يتمسكون بها في قطاع غزة والضفة الفلسطينية لكل منهما، والتي جلبت للشعب الفلسطيني الدمار والخراب والعزلة والإنكفاء؟
ما رأي القوى السياسية في مناطق 48، خاصة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحركة الإسلامية، بعد الانقسام والشرذمة التي أخرتهم وهزمتهم أمام تقدم اليمين السياسي المتطرف، والأحزاب الدينية اليهودية الإسرائيلية المتشددة ؟